تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

التحول المعرفي الرقمي ضرورة حتمية وخيار استراتيجي

1

بقلم فواز سلامه 

أصبحت المعلومات في عالم اليوم ،الكنز الذي يبحث عنه الجميع ،وثروة وطنية ورافداً اساسياً من روافد البناء الحضاري في كافة المجالات الحياتية. واصبح من يعرف أكثر هو من يستطيع فعل أكثر ،ومن هنا عظم الاهتمام بالبحث والتطوير لزيادة الوعي المعرفي ،وانتاج المعلومات ونشرها بوسائل مختلفة ،المسموعة والمرئية، والسوشيال ميديا،والأفلام والكتب والمجلات والمعارض .

ان عملية جمع وتخزين وانتاج المعلومات لا تأتي الا من خلال تحليلها وتبويبها وتصنيفها وادارتها وتوظيفها في تحقيق الأهداف المرجوة ،وبالمفهوم البسيط فأن التحول الرقمي (Digital Transformation) هو عملية احداث التغيير الشامل الذي يطال مناحي الحياة في كافة اجراءات الأعمال من النموذج الكلاسيكي البيروقراطي الى النموذج الرقمي المرن والقابل للتطوير والاستدامة .

مع التقدم بالوعي بأهمية المعلومات،أصبحت الدول تتنافس في انتاج وصناعة المعلومات في كافة جوانب الحياة السياسية،والثقافية والاعلامية،والاقتصادية والزراعيةوالصناعية ،والعسكرية سواء كان بالايجابية والنفع أو السلبية الهادفة.فظهرت توجهات جديدة في عالم التنافس الدولي كأنتاج المنتوجات الذكية،الروبوتات،والمراقبة والحرب الالكترونية وأنشطة التجسس والحرب الباردة السيبرانية،ونجحت بعض الدول في توظيف ذلك ، في الكذب والخداع والتلاعب بالعقول وصناعة الوعي المضلل وهذا ما شهدناه في السنوات القليلة الماضية في منطقتنا العربية،بالمقابل أيضاً أحدثت ثورة المعلومات والتي أطلق عليها بالثورة الرابعة تغيرات كبيرة واستثمارات ضخمة،وتقدم كبير في عمليات التنمية المعلوماتية وتوظيفها في مسارات معرفية تصنع أفكاراً ابداعية من خلال التنامي المستمر في انشاء مراكز الأبحاث العلمية والاستثمار بالمعلومات والمعرفة ،بالاضافة الى ما تنفقه الدول على الانتاج العلمي والبنية التحتية للمعلومات والتي تقدر بالترليونات، وظهر هذا جلياً في العديد من دول العالم مثل أمريكا وروسيا والصين والهند وأمريكا اللاتينية وجنوب أفريقيا،بالاضافة الى تركيا وايران الى حد ما، أما على المستوى العربي،ما زال الانتاج العلمي ضعيف مقارنة مع الأمم الأخرى من حيث النوع او الحجم، وهناك تفاوت في التقدم نحو الرقمنة وصناعة المعلومات، مما جعلنا مستهلكين لا منتجين .

ويعتمد التباين في الانتاج والاستهلاك في العالم العربي على الوضع الاقتصادي والدخل المرتفع لبعض الدول ،والدول الفقيرة والمتأثرة بالنزاعات الداخلية والخارجية ،هذا بدلاً من توظيف الامكانيات والشمولية في التخطيط لنخرج من دائرة التباين بين المستهلكين والمنتجين لنصبح فاعلين في تطوير وانتاج أصول المعرفة وصناعتها .

 

أما على المستوى الفلسطيني،صنفت فلسطين مع باقي الدول المتأثرة بالنزاعات ،وبالفعل وجود الاحتلال شكل سيفاً ذو حدين، فمن جانب هو المتحكم بمعززات الرقمنة من الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ، ومن جانب آخر المتطلبات المجتمعية لخدمات الرقمنة ملحه بسبب التشابك بالتطور الحاصل لدى دولة الاحتلال، حيث أن الاحتلال تحكم بعدم حصولنا على ترددات الجيل الرابع(4G) ورفض طول الوقت ذلك، الا أن بعد التدخلات الدولية فان فلسطين ستحصل في عام 2022 على الجيل الرابع ، وبذلك تنتقل فلسطين من الجيل الثاني الى الرابع، اضافة الى أن جائحة كورونا كشفت أن المؤسسات الحكومية لم تكن تتمتع بالمرونة الكافية لادارة الأزمة من خلال الخدمات الالكترونية، وهذا عزز من الرغبة الشديدة والسريعة الى السعي الحثيث الى التحول الرقمي من أجل ان تفي بكافة احتياجات المواطنين.

أدركت الحكومات الفلسطينية المتعاقبة منذ عام 2005 بضرورة الجاهزية بوضع فلسطين على الخارطة التكنولوجية العالمية، فكانت الخطوات بطيئة في تحقيق ممكنات التحول الرقمي فمنذ عام (2005- 2021) صدر العديد من المعززات التأسيسة للبنية التحتية المعلوماتية والتكنولوجية  من تشكيل اللجنة الوزارية للحكومة الالكترونية، الى الشبكة الحكومية والفريق الوطني لأمن المعلومات واعداد السياسات الوطنية للتحول الرقمي في فلسطين، واصدار قرار بقانون بشأن المعاملات الالكترونية واطلاق بوابة منظومة الخدمات الحكومية الالكترونية(حكومتي) بشكل تجريبي، وبرغم المؤشرات الخاصة بوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتي تبين أن هناك تقدماً ملحوظاً نحو الرقمنة والحوكمة،بالاضافة الى مؤشرات تقارير الاسكوا والبنك الدولي بالخصوص ، الا أن هناك العديد من الاشكاليات والمعيقات والمتطلبات من الواجب والضروري الاسراع في دراستها ووضع الحلول وسبل مواجهتها للتسريع في التحول الرقمي في المؤسسات على مستوى القطاع العام والخاص، لأن التحول الرقمي في فلسطين أصبح ضرورة ملحة وخيار استراتيجي اجباري لمواكبة التطور والاندماج في التحول الرقمي العالمي  وبحكم الظرف الفلسطيني الاستثنائي، ومن أجل تخطي معيقات الاحتلال والتغلب على عامل الجغرافيا في تحقيق احتياجات المواطنين في الداخل والخارج(الضفة وغزة، والشتات) .

وبرغم انطلاق فلسطين فعلياً نحو التحول الرقمي وارساء أسس وممكنات التحول، الا اننا بحاجة الى قفزات سريعة نحو الجاهزية لمواكبة التغيرات المتسارعة للثورة الصناعية الرابعة وزخم الثورة المعلوماتية والتجدد السريع في المعرفة الانسانية.

 

الا أننا ومن وجهة نظر شخصية وعضويتي بأحدى اللجان المتخصصة ومتابعتي لذا المشروع الهام، فاننا بحاجة ماسة لتعزيز المشروع الاستراتيجي للرقمنة من حيث تمكين البنية القانونية لعملية التحول الرقمي، وأهمية اصدار التشريعات الجديدة ذات العلاقة أهمية كبيرة للمنظومة المتكاملة لمتطلبات الرقمنة مثل قانون الارشيف والوثائق وقانون المكتبة الوطنية ، وقانون الملكية الفكرية، وبراءة الاختراع ، وتعديل قانون المطبوعات والنشر ، وقانون حق الحصول على المعلومات، بالاضافة الى ضرورة استقطاب الكوادر والعقول المبدعة ، وخاصة ان فلسطين تزخر بالطاقات بهذا المجال وبحكم انهم رأس المال المستدام وهو الاستثمار الحقيقي ، وضرورة تعزيز الثقافة نحو التحول الرقمي سواء على المستوى المؤسساتي والمجتمعي ، ومعيرة البرمجيات حسب التقنيات والمواصفات الدولية ، مع الاخذ بعين الاعتبار تشجيع البرمجيات والنظم الوطينة .

 

كل ذلك سوف يقودنا على مستوى المستقبل المنظور الى احداث تغيرات تمكن الحكومة من التفاعل مع المجتمع والقطاع الخاص ويعزز الحكومة من ادارة الشؤون العامة للدولة بخدمات سريعة وأمنه، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة ،ويسهم في دعم آليات الانفكاك من الاحتلال على مستويات مختلفة .